الكشفيــة والتربيــة
تنمو وتزدهر الحركة الكشفية لأنها حركة تربوية .. فهي تستمد قوتها وقدرتها على البقاء والاستمرار من أهدافها التربوية ومبادئها السامية وأسلوبها الفريد وطريقتها المميزة. وإظهار الكشفية كحركة ترفيهية خالصة هو مظهر خاطىء لايدل على جوهر الحركة ولا حقيقة ما تسعى إليه. فالكشفية وإن كانت تعتمد على بعض الأنشطة الترفيهية كوسيلة لتحقيق هدفها التربوي، فإنها بذلك تحرص على توازن العملية التربوية من أجل التنمية الصحيحة للشخصية الإنسانية.
وفي الأسطر التالية سنحاول في إيجاز استجلاء جانب من الطبيعة التربوية للحركة الكشفية وأسلوبها الفريد في تنمية الشخصية وبناء الإنسان.
ما هى التربية؟
جاء فى تقرير اليونسكو الصادر عام ١٩٩٦ عن التربية للقرن الحادى والعشرين:
" التربية هى محور تنمية الإنسان والمجتمع ووظيفتها هى تمكيننا جميعا بلا استثناء من تنمية كافة موا هبنا وطاقاتنا الإبداعية والتي تشمل مسئوليتنا عن تدبير أمور حياتنا الخاصة، وتحقيق أهدافنا الذاتية".
وفي وثيقة " تربية الشباب " ورقة عمل على مشارف القرن الحادي والعشرين " الصادرة عن خمس من كبريات المنظمات العالمية العاملة فى مجال التربية غير الرسمية (بما فيها المنظمة الكشفية العالمية) جاء تعريف التربية فى معناها الأشمل بأنها "عملية تستغرق حياة الإنسان بأكملها، وتمكن الفرد من تحقيق التنمية المستمرة لقدراته كفرد وكعضو فى المجتمع".
أنماط التربية:
غالبا ما ترتبط كلمة التربية بالنظام المدرسي أو التعليم الرسمي وإن كان هذا النظام يمثل نمطا واحدا من أنماط التربية، ويمكن تحديد أنماط التربية للفرد من حيث المصدر بما يلى:
- التربية الرسمية: ويقصد بها النظام المدرسى الرسمى المرتب زمنيا بداية من المدرسة الابتدائية وانتهاء بالمرحلة الجامعية.
- التربية العامة (الحياتية): وهى عملية تستمر مدى الحياة يكتسب فيها الإنسان المعارف والمهارات والخبرات والسلوكيات والقيم نتيجة معاملاته وخبرات حياته اليومية في بيئته من خلال الأسرة والأصدقاء ومجموعة الأقران وأجهزة الإعلام والمؤثرات الأخرى المحيطة به أينما كان.
- التربية غير الرسمية: وهي نتاج لأنشطة منظمة لاترتبط بالنظام الرسمي، وتعمل على خدمة الإنسان من خلال تحقيق أهداف تعليمية وتربوية محددة.
الأسلوب الكشفى في التربية:
تعتمد الحركة الكشفية كحركة تربوية على النمط الأخير من الأنماط المذكورة حيث أنها تتيح للفتية والشباب الفرص المتعددة والمتنوعة التي تساعد على تكامل قدراتهم البدنية والعقلية والوجدانية والاجتماعية والروحية... سعيا نحو إعداد الفرد المستقل والمتعاون والمسئول والملتزم ... من خلال برامج منظمة تنظيما جيدا تؤدي إلى:
- اكتساب الكثير من المعارف والمعلومات من خلال التدريب والتثقيف الذاتي ومناقشة واكتشاف الحقائق بعيدا عن أسلوب التلقين.
- ممارسة وإتقان مختلف المهارات العامة(المرتبطة بالحياة) أو الخاصة (المرتبطة بالهوايات الشخصية).
- الالتزام بالاتجاهات الطيبة نتيجة التحلي بالقيم والمثل الواردة فى الوعد والقانون.
وطبقا للفلسفة التربوية الكشفية، يولد كل فرد متمتعا بقدرات فريدة يمكننا العمل على تنميتها فى اتجاه بّناء، خلال السنوات التى يستمر فيها الفرد فى عضويتها. فالكشفية تعمل على مساعدة الشباب لإدراك واكتشاف الملكات والقدرات الكامنة بداخلهم وتشجيعهم على تنميتها تنمية متكاملة (بدنيا وذهنيا ووجدانيا واجتماعيا وروحيا) بأسلوب بناء وحديث، بما يعود بالنفع عليهم وعلى مجتمعاتهم التى يعيشون فيها.
الكشفية تركز على الفرد كمحور للعملية التربوية:
إن أسلوب الكشفية يجعل الفرد هو محور الاهتمام والتركيز ، فالكشفية تتقبل كل شاب كما هو ، بوصفه إنسانا فريدا ذا خلفية شخصية خاصة ، ينبغى احترام تفرده ويتحقق ذلك أولا من خلال احترام إرادته الحرة في الانضمام للحركة من عدمه ، ثم إتاحة الفرصة له للمساهمة الفعالة في تنمية شخصيته ، وتوفير المرونة التي تتيح لكل شاب أن يحقق التقدم بأن يختار من متطلبات المناهج ما يتفق مع ر غباته واهتماماته وميوله وما يتلاءم مع قدراته الشخصية.
فالكشفية تؤكد على كون الفرد هو محور الاهتمام ، بأن تقدم له المعاونة لقيامه بتنمية ذاته تنمية شاملة متكاملة من خلال:
- تحديد أهداف تربوية لإكساب المعارف والمهارات والاتجاهات في كل من جوانب تنمية شخصية الفرد.
- الطريقة الكشفية متعددة الجوانب التي تؤكد على الخبرات والتجارب الشخصية وتتخطى الاستيعاب العقلي المجرد إلى الممارسة العملية.
- إتاحة الكثير من الفرص المتنوعة أمام الفتية والشباب للممارسة والتجربة من خلال الأنشطة التى تساهم في تنمية قدرات الشباب وتعميق خبراتهم.
الكشفية تؤكد على ارتباط الفرد بالمجتمع:
تساهم الكشفية فى تنمية الفتية والشباب ليكون لهم دور بناء فى مجتمعاتهم ... فما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط ... لذلك نجد أن شعار الشبل (8-11 سنة) هو "اصنع معروفًا كل يوم "، وشعار الكشاف (12-14 سنة) هو "كن مستعداً"، والكشاف المتقدم (15-17 سنة) هو "الخدمة العامة" في كل وقت وكل مكان.
وتتم ترجمة هذه الشعارات عمليا في كل وقت وكلما دعت الحاجة ... فهناك مشروعات لخدمة المجتمع يقوم بها الكشافون إما بصورة فردية أو جماعية، فالكشفية تسعى إلى مساعدة الشباب لإدراك حقيقة أنه جزء من كل، جزء من العالم الذى يعيش فيه، ويأتى ذلك من خلال:
- إتاحة الفرصة للفتية والشباب للتزود بخبرة المجتمع الصغير وذلك في إطار حياة ديمقراطية سليمة في السداسى أو الطليعة أو الرهط أو الفرقة أو العشيرة.
- العمل على تقوية الشعور بالانتماء لدى الشباب ، تجاه وحدتهم الكشفية ومن ثم مجتمعهم المحلي والقومي والعالمي.
- التأكيد على تنمية العلاقات البناءة مع الآخرين - الشباب والراشدين- على أساس من الاحترام المتبادل (فالصغير يحترم الكبير ويطيعه والكبير يعطف على الصغير ويعاونه).
- توفير الفرص المختلفة للشباب للتفاعل والمساهمة البناءة مع المجتمع المحيط ، من خلال المشاركة في مناقشة قضاياه ومشكلاته والمشاركة في تقديم الحلول لها.
- إتاحة الفرصة أمام الشباب للمشاركة في مشروعات خدمة وتنمية المجتمع التي تنظمها الطليعة أو الفرقة أو تلك التي يتم تنظيمها على المستوى المحلي والوطني وفي شتى المجالات التي يمكنهم
المساهمة فيها.
- مساعدة الشباب على التكيف الإيجابى مع التغيرات الواقعة بالمجتمع وأن يسايروا بفاعلية المشكلات والقضايا التي تواجههم أو المنتظر أن تواجههم مستقبلاً.
وهكذا يتأكد لدينا أن الحركة الكشفية في سعيها نحو تحقيق أهدافها التربوية قد اتخذت لنفسها أسلوبًاً متميزاً وفريداً يتمحور حول الفرد باعتباره أساس العملية التربوية وتنميته ينبغي أن تتم بوصفه كائن اجتماعي تنطلق تصرفاته وعلاقاته بالآخرين من منطلق عقيدة دينية سليمة وواعية، وإنسان كهذا جدير بأن يكون لبنة قوية صالحة في بنيان مجتمع صالح وسعيد.