اضرب الفنجـــــــال و قــــــص و لاتخـــــــص :
هناك عادات شائعة لدينا نجهل أسبابها وتاريخها . ونظن أحيانا ً أخرى أنها حديثة العهد ولكن بعد البحث والتقصي يتبين للباحث أن هذه العادات قد تمتد في جذور التاريخ مئات وربما الآف السنين ..
ضرب الفنجال بفم الدلـــــة :
العادات الشائعة لدينا والتي ما زال الكثير منا يحتفظ بها مانقوم به من ضرب " الفنجان " الفنجال بفم الدلة عند الانتهاء من صب القهوة في الفنجال , وقبل تقديمه للضيف أو الشارب مباشرة .
وهي حركة جميلة يعملها البعض بإتقان فتحدث رنـَه موسيقية جميلة , ولايتقنها البعض فيثلم فنجاله أو يكسر جزء منه .
وهذه العادة كانت معروفة عند العرب قديماً قبل اكتشاف قهوة البن والتي عـُرفت في القرن العاشر الهجري , بينما كان العرب يقومون بهذه الحركة عند تقديم المشروب لضيوفهم .
ومن أهم الأبيات الشعرية الدالة على ذلك قول الأقيشر الأسدي واسمه المغيرة بن عبدالله بن عمرو , وهو شاعر أموي :
لاتشربن أبداً راحاً مسارقة
إلا مع الغر أبناء البطاريق
أفنى تلادي وماجمعت من نشبٍ
قرع القواقيز أفواه الأباريق
والشـــاهد هو البيت الثاني , فالشاعر يشير إلى كرمه وأنه سبب ضياع ماله ,
مفتخراً أن الكرم هو سبب إفلاسه , ويرمز إلى كرمه بكثرة تقديمه الشراب لضيوفة , ويشير إلى أن الكؤوس أو الفناجين كانت تقرع بأفواه الأباريق عند سكبها .
وقد شرح هذة الابيات ابن منظور في ( لسان العرب ) مادة (ققز ). وبين كيف تتم هذه العملية , والقواقيز جمع قاقزة وهي أنية يشرب فيها , وذكر بعض علماء اللغة أنها الطاس التي يصب فيها الخمر , أمـــا الزبيدي في ( تاج العروس ) فقال :
هي الفناجين التي يشرب بها الشراب .
ومن خلال الأبيات المذكوره وشرح علماء اللغة لها يتبين لنا أن العادة المعروفة لدينا في صب قهوتنا كانت معروفة عند العرب منذ الجاهلية في صب مشروبهم .
قـــــص ولا تخــــص :
الكثير منا حين يقدم المشروب لضيوفه يبدأ باليمين ثم الذي يلية وهو أمر حميد تدل علية بعض أحاديث الرسول علية الصلاة والسلام .. والبعض يبدأ بكبير السن أو كبير القوم وفي الأمر سعة , فقد جاء الحديث عن رسول الله صلى الله علية وسلم بتوقير كبير السن كما جاء عنه الأمر بإنزال الناس منازلهم ..
وتحضرني قصة لأحد فرسان البادية في القرن الثالث عشر الهجري لما قدمت القهوة وبدأ من يصبها بانتقاء بعض الشخصيات كي يقدم لهم الفنجان قبل غيرهم , فقال هذا الفارس : ( قص ولاتخص ) أي صبها حسب التوالي من اليمين , أو ربما من الشيخ ثم من عن يمينه , ولاتخص أحدا ً دون أخر في التقديم , وراى هذا الفارس أن في هذا الأمر تقليلاً من قدره .
وقد كانت عادة تقديم العرب الأيمن في الشرب معروفة منذ الجاهلية , يقول محمود شكري الألوسي في (بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب ) :
إن العادة كانت جارية بين ملوك الجاهلية ورؤسائهم بتقديم الأيمن في الشرب , وكانت عادة العرب مجاراة ملوكهم بتقديم الأيمن فالأيمن في الشرب ..
وعلى ذلك قول عمرو بن كلثوم في معلقته :
صددت الكأس عنا أم عمرو
وكان الكأس مجراها اليمينا
وقد أقر الشرع هذه العادة ولم يغيرها لفضل اليمين على اليسار.