مرحلة الأشبال واكتشاف ورعاية الموهوبين
تمهيد:
تتعامل المجتمعات المتقدمة مع الموهوبين الفائقين عقليا على أنهم أهم ثرواتها على الإطلاق وعماد نهضتها وأملها في المستقبل المشرق، لذا فهم يهتمون اهتماما بالغا بالبحث عن الموهوبين والعمل على اكتشاف المتفوقين عقليا في مرحلة الطفولة ويغمرونهم بالرعاية المبكرة والتوجيه السليم فالطفل الموهوب مثل النبتة الخضراء، يحتاج إلى من يحميه ويساعده على النمو الطبيعي ويزيل من أمامه العقبات ويفتح له الطريق، يحتاج لمن يفهمه ويقدر تفوقه وموهبته ويستطيع اكتشاف مواهبه وقدراته ورعايتها بشكل سليم.
دور الكشفية في اكتشاف ورعاية الموهوبين:
الحركة الكشفية كحركة تربوية تتعامل مع الفتية والشباب وتعمل على تلبية احتياجاتهم وفقا لخصائصهم السنية وتنمية قدراتهم المتنوعة في شتى جوانب تنمية الشخصية، ومع التسليم بأن الحركة الكشفية ليست حركة موجهة فقط للصفوة النابغين من الشباب ولكنها مفتوحة للجميع دون تفريق آخذة على عاتقها التعامل مع كل فتى ككائن منفرد له خصائصه المميزة له والتي ينبغى إشباعها وتنميتها في الاتجاه الصحيح.
من هنا تأتى أهمية العمل على الاكتشاف المبكر للموهوبين من أعضاء الحركة الكشفية ورعايتهم وخاصة في مرحلة الأشبال التي يبدأ فيها نبوغهم وتحتاج فيها موهبتهم إلى الموالاة والعناية والتعهد.
من هم الأشبال الفائقون أو الموهبون؟
هم أطفال يرون العالم في طابع غير تقليدى، يختلفون عن غيرهم من الأطفال في عواطفهم ومشاعرهم ومعاملتهم وأفكارهم، فهم يرون العالم بمنظار مختلف عن ذلك الذي يراه الطفل العادى، يتمتعون بذكاء مرتفع وقدرات عقلية متميزة، يميلون دائما للابتكار والتغيي، لايعترفون بالمألوف ويملون من التكرار.
كيف يتعرف القائد على الطفل الموهوب؟
تعد نسبة الذكاء إحدى طرق التعرف على الطفل الفائق، ولكن هناك طرقا أخرى منها: معرفة قدرة التحصيل الدراسى/ القدرة الابتكارية / رأي المدرسين / رأي الآباء / الأسئلة الذكية الكثيرة التي يطرحها / القدرة على التخيل والإبداع / سرعة الإنجاز / الرغبة في تعلم كيفية عمل الأشياء / المثابرة والصبر على رؤية التفاصيل الدقيقة وعدم الملل ومحاولة الإنجاز/ ...... وغيرها من السمات التي تدل على التفوق والموهبة.
المشكلات التي يواجهها الشبل الموهوب:
يتعرض الطفل الموهوب إلى العديد من المشكلات الناجمة عن موهبته وقدراته العقلية وطاقته الكبيرة، ففي المنزل قد لايتحمل الأهل هذه الطاقة ولا يستطيعون مجاراتها بل وقد يعملون على كبحها بوسائل شتى، وقد يخطىء بعض الآباء والمربين في تشخيص نبوغ أبنائهم ويعتبرون أن النشاط الزائد والطاقة الكبيرة هي علامة مرض ينبغي معالجته وبالتالي يقعون في خطأ كبير، وهنا يأتي دور القائد في التأكد من مدى استيعاب الآباء لحقيقة نبوغ الشبل والتشاور في كيفية التعامل مع هذا التفوق والموهبة.
وقد يواجه الموهوبون أيضا المشكلات التالية في فرق الأشبال:
- فتور حماسهم في نشاط الفرقة نظرا لأن الجميع يحاولون وضعه في قالب تقليدي دون الأخذ بعين الاعتبار اختلافه عن الآخرين، فيبدأون نشاطهم مع الفرقة بحماس في البداية ثم يفتر حماسهم ويتلاشى تدريجيا حتى ينقطعون تماما عن الفرقة.
- الملل والمعاناة من الفراغ نظرا لأن الشبل الموهوب ينتهي من التدريب وإنجاز الأعمال المكلف بها في وقت أقل من اقرانه ثم يبقى باقي الوقت يعاني من الملل والضيق.
- قد يشعر بعض الأشبال الموهوبين بعدم رضا (بعض القادة) عن تفوقهم واستقبالهم لنبوغهم بفتور وعدم قبولهم لإبداعهم وأفكارهم غير التقليدية مما يجعلهم يخفون تفوقهم ولايهتمون بالتدريب وينشغلون بأشياء تافهة غير مجدية وينصرفون تدريجيا عن الأنشطة.
- عدم التأهيل الكافي للقادة يجعلهم لا يشعرون بالمتفوقين ولا يكتشفون مواهبهم بصورة مبكرة وقد لايحسنون التصرف والتوجيه السليم لطاقاتهم مما قد يتسبب في بعض المعاناة للشبل الموهوب وقد يصل الأمر بالقائد إلى أن ينظر إلى الشبل المتفوق الموهوب على أنه مشكلة كبيرة تواجهه ويحاول ترويضه والسيطرة عليه وكبح جماحه والحد من أفكاره التي يعتبرها شطحات وخيالات ، وتصرفاته التي يحكم عليها بأنها من قبيل الغرور أو عدم الانضباط.
- الشعور بالوحدة واللجوء إلى الانطواء والعزلة حيث تتمثل مشكلة الشبل الموهوب في عدم وجود عدد من الأقران الموهوبين مثله في نفس الفرقة، فحينما لايجد من يشبهه يحس بأنه شاذ عن الآخرين وقد ينظر إلى اختلافه هذا على أنه نقص أو عيب في شخصيته هو وليس الآخرين.
- قد يشعر الشبل بالإحباط والفشل في حالة عدم قدرته على التنفيذ الجيد لما يعتقد أنه يعرفه وقادر على أدائه، نظرا لتقدم قدراته العقلية على مهاراته العملية.
- يميل الشبل الموهوب إلى مصادقة من هم أكبر منه سنا مما يثير الغيرة والحسد لدى رفاقه ممن هم من سنه.
- يستطيع الشبل الموهوب الحديث بطلاقة، فلديه من المفردات اللغوية الكثير نظرا لنبوغه العقلي فهو يحسن استخدام اللغة كثيرا فيتعامل معه الآخرون على أنه شخص مسئول وكبير ويحاسبونه بشدة على بعض التصرفات التي تعتبر مقبولة من أقرانه في نفس السن ولكنهم لا يقبلونها منه ظنا منهم بأنه لايليق به الإتيان بها، ويغفل القادة والمربون عن أنه مع نبوغه اللغوي والعقلي إلى أن قدرته على الحكم ونضجه لم تتبلورا بعد بنفس درجة معرفته وفضوله وحبه للاستطلاع وقدرته اللغوية ، فهو يتصرف أحيانا كشخص ناضج يمكن مناقشته في موضوعات دقيقة وأحيانا أخرى يلعب بلعب الأطفال العاديين.
- الشبل الموهوب شديد الحساسية، يشعر بانفعالات الآخرين دون أن يعبروا عنها بالكلام، فهو يعيش تجارب الآخرين وغالبا ما تؤثر فيه هذه التجارب بدرجة تفوق تأثيرها في أصحابها.
دور القادة والآباء في رعاية الموهوبين:
تتزايد أهمية الدور الذي يلعبه كل المحيطين بالشبل الموهوب في رعاية تلك النبتة الواعدة وتعهدها حتى تشب عن الطوق، إن التوجيه السليم والتعامل الرشيد مع تلك ا لشمعة كفيلة بأن تجعلها شعلة تضيء الطريق لنفسها ولذويها ومجتمعها بأسره.
وعلينا أن ندرك أن الأسلوب الأمثل للإسهام في رعاية الشبل الموهوب هو أن نتواءم مع حاجاته وليس مع ما نطلبه نحن كمربين أو آباء، فقد اثبتت الدراسات العلمية أن من الخطأ الشديد محاولة تنشئة أبناءنا ليكونوا صورا مكررة منا، وذلك لو اعتقدنا أننا قد وصلنا إلى درجة الكمال والخلو من الأخطاء - فالكمال لله وحده - فكل ما نحاول أن نفعله هو إعداد جيل يحمل الأخطاء نفسها ويعاني المشكلات نفسها بدلا من إعداد جيل جديد يتمتع بحياة أفضل ويواجه مشكلات أقل.
ويستطيع القادة والآباء أن يقوموا بمجموعة من الأعمال من شأنها المساهمة في رعاية الموهوبين وحل المشكلات التى تواجههم، نذكر منها:
- إظهار المحبة والتقبل والتركيز على صفاته المميزة والإشادة بها.
- الاهتمام بتفسير الظواهر والشرح الدقيق للتصرفات والرد على استفساراته بصورة صحيحة وعلمية دون محاولة الإقلال من شأنه.
- إعطاء الطفل الموهوب أدو ارا إضافية في التدريبات والأنشطة الكشفية، بحيث إذا انتهى كعادته من التدريب قبل أقرانه وجد مهمة أخرى بأن يشارك في تدريب بعض زملائه أو مساعدة القائد في أمر من الأمور ولكن ينبغي أن نتوخى الحكمة لأن ذلك من الممكن أن يتسبب في مشاعر سلبية ضده من طرف أقرانه بالفرقة.
- مساعدة الشبل على أن يفهم أحاسيسه ويعرف كيف يستفيد منها ويوجهها، وتجنب وصف المشاعر التي يشعر بها في أي وقت بالصواب والخطأ، لأن المشاعر في حد ذاتها تلقائية كجزء من طبيعة الإنسان، ولكن صورة التعبير عنها هي التي تأخذ صورة الصواب والخطأ، لذا وجب توجيهه نحو كيفية ضبط التصرفات وتهذيبها والتعامل معه دون تأنيب وتوبيخ لمجرد شعور اعتراه وأراد التعبيرعنه.
- لابد أن تتوافر في القادة المعرفة والقدرة على مسايرة خصائص الموهوبين وصفاتهم والتسليم بأن كل شبل موهوب له قدراته ودوافعه الخاصة وينبغي مساعدته لتحقيق الثقة بنفسه وبالآخرين.
- وضع اهتمامات الموهوبين موضع الرعاية والاهتمام بتشجيعها وتوفير أدواتها ليكتسب الثقة بالنفس وينطلق نحو الإبداع.
- تشجيع الحوار مع الأشبال وتقبل جميع الأسئلة والآراء دون سخرية.
- إشعارهم بالثقة بكفاءتهم وقدراتهم مما يجعلهم يعتزون بأنفسهم ويبذلون المزيد من الجهد والاستمتاع بأنشطة الفرقة والإقبال عليها.
- إشعار الموهوبين باهتمام القائد بهم بصفة خاصة والتركيز على كل احتياجاتهم الشخصية وتقدير تفوقهم ونبوغهم ومساعدتهم في تحديد أهدافهم وما يرغبون في إنجازه.
- عدم اقتصار تقدير القادة والآباء للموهوبين على قدرتهم العقلية ونبوغهم فقط وإنما يهتمون أيضا بكل ما لديهم من صفات أخرى مما يساعد على تنمية مواهبهم.
- اتباع أساليب التحفيز والثناء والمدح والمكافأة، فتلك الأمور تشكل جزء مهما في حياة الشبل الموهوب وخاصة إذا أدى عملا يتطلب قدرا كبيرا من التركيز والفهم ودقة الأداء.
- التشجيع المستمر لمواصلة المحاولة وإتقان الأداء حتى في حالة حدوث الفشل في بعض الأحيان ، مما يؤدي إلى زيادة ثقة الموهوب بنفسه وبمن حوله ويدرك أن اهتمامهم به لن يتوقف إذا فشل فى أداء عمل ما.
- وأخيرا .. على القادة أن يكونوا القدوة الحسنة في التعاون والاهتمام والمشاركة الفعالة حتى يتعلم منهم الأشبال هذه الأنماط السلوكية الجيدة التؤ تضع موهبتهم في إطارها السليم.
وخلاصة القول:
أن الرعاية التي يتلقاها الشبل الموهوب سواء في المنزل أو المدرسة أو الفرقة، تصنع منه بذرة طيبة لباحث أو مفكر أو عالم في المستقبل، فهي تساعده على تقبل وإبراز قدراته العقلية التي ستصبح ذات شأن في خدمة المجتمع بعد ذلك.
المراجع:
سلسلة سفير التربوية ... أبناؤنا
الطفل الموهوب (اكتشافه- رعايته- توجيهه) د. على سليمان وآخرون.