مخيم الطليعة الكشفية
إن ما نعالجه هنا هو مخيم الطليعة وليس مخيم الفرقة وإن نحن قلنا ذلك فيجب أن لا يتبادر إلى الذهن بأن مخيم هذه غير مخيم تلك وحقيقة الأمر أن مخيم الفرقة عادة يتألف من مجموع مخيمات الطلائع يوم تضرب كل طليعة خيمتها على مسافة مائتي متر عن أختها، وبحيث تكون الخيام في شكل دائرة تحيط بخيمة القائد التي تصدر عنها الأوامر للطلائع بطريقه المخابرة. وإن الشائع من أصول الحياة في كل مخيم فرقة هو أن كل طليعة تعد مسؤولة عن نفسها فهي التي تكفل ابتياع حاجاتها وتهيئ منهاجها وتقوم بتطبيق ما هيأته حسب أساليب خاصة بها. فمثل هذه الحياة المستقلة لكل طليعة، لابد أن تجعل لها في المستقبل طابعا خاصا بحيث يصبح أفرادها إن هم جدوا في ذلك بمعزل عن الاتكالية التي نرى لزاما علينا أن نحاربها في نفوس أفرادنا. وما توزيع المسؤولية وإتباع هذا النسق في حياة الطلائع إلا تقييد للفرد حين يكون في دور اجتياز المرحلة الأولى من تعويده حمل أعبائه وتدبير شؤونه.
والذي نلاحظه ويؤكده لنا الواقع هو أن حياة الطليعة بذاتها أخصب مادة وأكثر عملا في تفاعيل التمكين الخلقي من الحياة في محيط الفرقة الكبير إذ أننا كثيرا ما نجد أشخاصا تبدو آثار مواهبهم في الطليعة وتذوب حين تغمرها الفرقة بكاملها أما بعامل الحياة أو بغيره من العوامل النفسية المريضة. وإننا لنرى بين الجماعات القليلة صداقات متينة تنشأ وحب تعاون يسود ثم نرى العريف متمكنا من القيام بمهماته كالتفتيش الدقيق وملاحظة أحوال كشافيه إلى غير ذلك مما هو منوط به. وأما في الجمع الكثير العدد فكثيرا ما يتعرض الكشافون الهادئون بطبيعتهم إلى محو شخصياتهم بحيث لا يبقى لهم أثر ملحوظ، بينما هم في الجمع الصغير ظاهرون بفضل ما يؤدونه من أعمالن وإن قلت وأنه ليروقنا حقا ذاك النظام الذي نراه سائد في الكتلة القليلة العدد، ولئن تجاوز قدرهم الثمانية. ترانا قد حصلنا على حشد أو بالأحرى عسكرية صرفة لا ترجى منها فائدة يوم نجرب أن نعدهم للكشافة الخالصة (راجع كتاب الكشفية للفتيان ص208 وص308). بينما يثبت لنا العكس في جمع لا يتجاوز أفراده الثمانية، إذ أننا في هذه الحالة نرى أن كلا من هؤلاء يمكن له أن يدلي برأي أو يعمل مستقلا بوحي ذاته. فطليعة من هذا القبيل تضم أصدقاء خلصا يفيدون على قلتهم ثمرات جدهم على عكس ما لو أنهم عملوا ضمن جموع كثيرة, وان عالم الطليعة باستطاعته أن يمنح الفرد الكثير من حرياته الشخصية والتي تجعل من كل طليعة وحدة متماسكة كالبنيان يشد بعضه لما يبدو على أعمال كشافيها من أثر الإتقان والإبداع, وأنه بإمكاننا ملاحظة ذلك بوضوح كلي في المخيمات. فقائمة الاكتشافات ونظام الطلائع والمنهاج اليومي لمختلف المواضيع التي يترك فيها الخيار للكشافين ينتقون ما يلذ لهم منها هذه كلها وسائل موفقة لإعداد مخيمات يشترك في كل منها عدة طلائع تسير وفق ما جاء مبينا في هذا الباب.
مخيمات عطله الأسبوع:
نرى بعض القادة يكتفون بإقامة مخيم أو مخيمين فقط في السنة الواحدة وهذا ما نعده خطأ لأن الإعداد الكشفي الصحيح لا يمكن لنا أن نكسبه إلا في مخيمات. لهذا وجب علينا أن ننظم مخيمات أسبوعية يشرف عليها العرفاء تستخدم فيها كل طليعة خيمتها الخاصة. إذ أن هذه الخيمة أكثر أهمية من معظم الممتلكات التي تحملها لمثل هذه الغاية وتثقل بها كاهلها كثير من الفرق. وأن طليعة لا يربو عددها على الستة أشخاص أو الثمانية يمكنها أن تكتفي بخيمتين والذي تجنيه الطليعة من اعتمادها خيمتها أو خيمتيها هو هذه الوحدة المستقلة التي لا تتأثر بمنهاج غيرها من بقية الطلائع. والذي يجب علينا إتباعه إزاء ذلك هو أن نبعث أولا بكشاف يكشف لنا عن أرض صالحة ثم يستأذن صاحبها حتى إذا أتم ذلك لحقت به الطليعة فحطت أمتعتها في تلك البقعة وقامت بتهيئة ما يلزمها وبعد أن يتناول الأفراد طعام العشاء يبادرون بإشعال نار مخيمهم التي يسمرون حولها وينشدون وهكذا يقضون سهرة ممتعة في الجو الطليق, ويجدر بكل من يشترك في هذه المخيمات أن يتزود من بيته بكل ما يلزمه في رحلته القصيرة, وإذا كانت الطليعة نظامية يقودها عريف حازم يسمح لها بتمديد ساعات التخييم حتى قبيل الوقت الذي يكون فيه كل فرد متهيئا لاستقبال عمله.
إن كثيرا من الفرق قد لمست نجاحا كبيرا يوم كانت تتابع هذا النظام حتى إن بعضها كان يقوم بإحياء مخيمات تبدأ من آذار وتنتهي في تشرين الأول وطيلة هذا المرحلة لم تكن الفرقة لتجتمع بكامل عددها سوى ثلاث مرات على الأكثر لأن كل طليعة كانت تنتقل في الأماكن التي تحلو لها وتجد فيها لذة الحياة وفائدة الفكرة.
وأما أمر (الإعاشة) في المخيمات فيجب أن نعيرها شطرا من اهتمامنا وعنايتنا لأنها ناحية أساسية فيها.
ها نحن (مثلا) قد انفضضنا من حول نار المخيم وأصبح بإمكاننا أن نستفيد من بقاياها بأن نضع عليها قدر الفول حيث نحظى بالصباح بأكلة شهية منه.
وإن لدينا أنواعا من المأكل نستطيع طهيها في مخيماتنا وهي لا تكلفنا سوى القليل من الثمن كاللوبيا والبطاطا والحساء الخ ...
وفي النهاية نجمل ما أتينا على تفسيره آنفا وهو أن الطليعة الناجحة التي يسود أجواءها الإخاء والوئام هي التي تقوم منذ تأسيسها على صداقة متبادلة بين الجميع ويكفي تضامن ثلاثة أفراد فيها ليكونوا النواة الصالحة لرسوخها وتركيز كيانها.
يقول بادن باول: إن الكشافين يخرجون في نزهاتهم إما فرادى أو مثنى فإذا زاد عددهم على هذا القدر شكلوا ما نسميه بعرفنا الطليعة.