المناهج الكشفية (المفهوم، أسس البناء والتطوير، تطبيقات)
المناهج الكشفية
(المفهوم، أسس البناء والتطوير، تطبيقات)
مقدمة :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته واقتفى أثره إلى يوم الدين وبعد :
فالحديث عن المناهج من أهم المواضيع التربوية التي يحتاجها كل العاملين مع الطلاب في جميع المراحل الدراسية ومنهم القادة الكشفيون. وتأتي أهمية هذا الموضوع للدراسات المتقدمة للقادة الكشفيين للصلة الوثيقة بين مفهوم المناهج بشكل عام ومفهوم المناهج الكشفية وحاجة القائد الكشفي إلى هذه المفاهيم في الدراسات التأهلية. كما تبرز أهمية موضوع المناهج لكثرة ما يحصل من خلط في مفهوم المنهج، ولذلك عندما يطلق مصطلح المنهج يتبادر إلى الذهن مباشرة عند كثير من الناس حتى العاملين في حقل التعليم إلى المحتوى أو الكتاب المدرسي، وهذا هو المفهوم الضيق للمنهج أو المفهوم التقليدي ، وهو الذي وقف حجر عثرة أمام مطوري المناهج أو تفعيل تطبيق جميع عناصرها.
وحديثي هنا عن المناهج التعليمية عامة والمناهج الكشفية خاصة لا ينطلق من هذا المفهوم الضيق للمنهج وإنما ينطلق من المفهوم الواسع وهو الذي يتضمن جميع ما تقدمه المؤسسة التعليمية أو الاجتماعية إلى تلاميذها من معارف ومهارات واتجاهات وقيم وخبرات ... إلخ ، تحقيقاً لرسالتها الكبرى في بناء البشر وفقاً لأهداف تربوية محددة وخطة علمية سليمة بما يساعد على تحقيق نموهم الكامل جسمياً وعقلياً ونفسياً واجتماعياً وروحياً داخل المؤسسة وخارجها. وبهذا المفهوم يصبح للمنهج العديد من العناصر والتي من أهمها الأهداف الخاصة لكل منهج ولكل وحدة ولكل برنامج. ومن عناصر المنهج أيضاً طرق التدريس وأساليب التعلم، والمحتوى بمختلف أوعيته ، والوسائل التعليمية المستخدمة في ذلك، وأساليب وطرق التقويم والأنشطة المصاحبة لها داخل المؤسسة أو خارجها، وبناء على هذا المفهوم يقع الكثير من الناس – عند الحديث عن تطوير المناهج الكشفية وغيرها المتخصص منهم وغيرها المتخصص منهم وغير المتخصص منهم وغير المتخصص بين مؤيد ومعارض للتطوير – في الخلط أو اللبس في المفهوم الذي يريده من المنهج سواء في تطويره أو عدم تطويره. فهل يقصد المنهج الموصى بتعليمه (Recommended Curriculum) المشتمل على أهداف وغايات التعليم الكلية؟ أو المنهج المكتوب (Written Curriculum) المشتمل على المحتوى والأنظمة والتعميم؟ أو المنهج المدرس (Taught Curriculum) ؟ أو المنهج المتعلم (Learned Curriculum)؟ أو المنهج المختبر (Tested Curriculum) ؟ أو المنهج المدعم (Supported Curriculum)؟ أو المنهج الخفي (Hidden Curriculum)؟ وهذه المفاهيم يركز عليها معظم المتخصصين في تطوير المناهج ومنهم صاحب كتاب قيادة المنهج (Curriculum Leadership) ألن جلاتهورن (Glatthorn).
وعلى كل حل فإن مفهوم المناهج الكشفية أو التعليمية باتقان كثير من المنظرين، تبني وتطور جميع عناصرها السابقة الذكر على أسس أربعة هي: الأسس الفلسفية أو العقدية والفكرية والتي تنطلق من عقيدة المجتمع نفسه المتمثلة في دينه وقيمه ومبادئه، والأسس النفسية والمتضمنة والاهتمام بحاجات المتعلم وقدراته وميوله وخصائص النمو لديه، والأسس المعرفية والتي تعني بالمحتوى المعرفي للمنهج من حيث مصادره وتصنيفاته وخصائصه، والأسس الاجتماعية والثقافية والتي يقصد بها (( مجموعة المقومات أو الركائز ذات العلاقة بالمجتمع الذي يعيش فيه الطلاب أو المتعلم وما يعايشه من مشكلات وظواهر اجتماعية)).
وانطلاقا من هذه المفاهيم فإن معظم عناصر المنهج غير ثابتة وإنما متطورة بطبيعة الأسس التي تبنى عليها وعلى هذا فإن المنهج الكشفي يعطي قائد الوحدة الكشفية في جميع القطاعات حرية التطوير والتجديد وفق المبادئ والطريقة الكشفية المعروفة لدى جميع القادة، ولذلك تبرز أهمية إعداد الأدلة للقادة الكشفيين التي تساعدهم على إتقان وتحقيق أهداف الحركة الكشفية مع وحداتهم. ولحسن الحظ فإن معظم القادة الكشفيين في بلدنا الغالي المملكة العربية السعودية من قطاعات التعليم ممن تخرجوا من كليات التربية وكليات المعلمين وغيرها من الكليات والمعاهد التربوية والمسلكية. ومع هذا كله يحتاج قائد الوحدة في الدراسات المتقدمة إلى المزيد من المفاهيم والمعارف والمهارات ذات العلاقة بالمنهج.
أولاً: مفهوم المنهج :
يزداد الاهتمام بمفهوم المنهج ومكوناته في مجال التربية يوما بعد يوم، والمنهج في اللغة هو الطريق ويقال نهج نهج فلان أي سلك مسلكة. والمنهاج هو الطريق والخطة المرسومة، ومنه منهاج الدراسة ومنهاج التعليم والمنهج هو المنهاج.
وهناك مفهومان للمنهج الدراسي هما:
1- المفهوم الضيق: فالمنهج بهذا المفهوم هو مجموعة المواد الدراسية أو المقررات التي يدرسها الطالب. ويترك على هذا المفهوم العديد من الأمور منها :
1. التركيز على الجانب المعرفي وإهمال الجوانب الأخرى الوجدانية والمهارية والاجتماعية.
2. التركيز في طرق التدريس على الإلقاء والتلقين.
3. العزلة عن الحياة العامة ومشكلات المجتمع والظواهر المنتشرة فيه.
4. إهمال الفروق الفردية بين الطلاب وعدم مراعاة احتياجاتهم.
5. محدودية دور المعلم ووظيفته.
ويسود هذا المفهوم عند بعض القادة الكشفين، وذلك تراه محدود الإنتاجية والنشاط مع وحدته.
2- المفهوم الواسع : أو ما يسميه البعض بالمفهوم الحديث، وهو مجموع الخبرات التربوية التي تهيؤها المدرسة للتلاميذ داخلها أو خارجها بقصد مساعدتهم على النمو الشامل أي : النمو في جميع الجوانب العقلية والثقافية والدينية والاجتماعية والنفسية نموا يؤدي إلى تعديل سلوكهم ويعمل على تحقيق الأهداف التربوية المنشودة.
ويترتب على انتشار وتبني هذا المفهوم العديد من الأمور منها :
1- تعدد عناصر المنهج ، فلم تعد قاصرة على المادة الدراسية بل شملت : الأهداف والمحتوى والطرق والوسائل والنشاطات والتقويم.
2- يبني المنهج بهذا المفهوم وفق خطوات علمية إجرائية تبدأ بتحديد الأهداف بمختلف مستوياتها وينتهي بالتقويم بجميع مستوياته ومجالاته.
3- مراجعة المنهج وتطويرة أصبحت ضرورة بين الفنية والأخرى.
4- ارتباط المنهج الوثيق بالمجتمع.
5- تعاون المدرسة مع المؤسسات الاجتماعية الأخرى في تحقيق الأهداف مثل : الأسرة والمسجد والإعلام والأندية إلخ.
6- الطالب هو محور العملية التعليمية.
منهج الكشفية والمفهوم الواسع للمنهج التعليمي
عندما نشأت الحركة الكشفية قام منهجها الكشفي التربوي على ثلاثة مبادئ تمثل قوانينها الأساسية وهي : القيام يالواجب نحو الله، ثم الواجب نحو الآخرين، والواجب نحو الذات. وبالوعد والقانون الكشفي الذي يشتمل على عشرة بنود وهي : 1- الكشاف يوثق به ويعتمد عليه، 2- الكشاف مخلص لمليكه ولأولياء أمره ووطنه ورؤسائه، 3- الكشاف نافع ويساعد الآخرين 4- الكشاف صديق للجميع وأخ لكل كشاف 5- الكشاف يبتسم ولا يخشى الصعاب 6- الكشاف مقتصد 10 – الكشاف طاهر الفكر والقول والعمل . لتنعكس هذه المفاهيم والقيم في مناهج الكشافة في جميع مراحلها المختلفة، وخاصة المناهج الكشفية الموحدة الصادرة من لجنة رؤساء وممثلي رؤساء الجمعيات والهيئات الكشفية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي. وقد روعي أن تكون شاملة في توجهاتها من حيث التربية الدينية والاجتماعية والثقافية والرياضية والصحية إلخ، وكل ما هو ذو صلة بحياة النشء وأساليب وطرق تشكيل شخصياتهم وإعدادهم ليكونوا مواطنين صالحين ومصلحين لغيرهم.
وانطلاقا من مبادئ الحركة الكشفية وتبنيها للمفهوم الواسع للمناهج وتؤدي برامج الوحدات الكشفية دوار هاما في تربية الشباب تربية متكاملة تشمل على جميع جوانب التربية الحديثة. ومن هذه الجوانب التربية الجسمية والصحية والتربية العقلية أو الفكرية والتربية الوجدانية أو العاطفية والتربية الاجتماعية والوطنية والتربية الكشفية وفقاً للأهداف السلوكية لكل مجال أو برنامج. وقد أشارت بعض الدراسات على أنه يقبل على الحركة الكشفية كثير من الشباب من طلاب المدارس والجامعات نظراً لوضوح أهدافها وسهولة صياغتها إلى أهداف سلوكية من قبل القادة المؤهلين تأهيلاً تربوياً وكشفياً وإمكانية تحقيق هذه الأهداف سواء كانت معرفية أو وجدانية أو مهارية في نفوس النشء وسلوكهم ، وأيضاً لاشتمال مناهجها على البرامج والأنشطة المتنوعة الشيقة والمعتمدة والنافعة.
وتترجم المناهج الكشفية بمفهومها الواسع الأهداف التربوية للحركة الكشفية في جميع مراحلها إلى سبع مجالات: مجال التربية الدينية، ومجال التربية الوطنية، ومجال التربية الاجتماعية والبيئية، ومجال التربية الصحية، ومجال التربية الرياضية ، ومجال التربية العقلية والأنشطة العلمية، ومجال التربية والفنون الكشفية، وذلك من خلال الطرق الكشفية والوسائل التربوية والأنشطة الخلوية، ويتم التخطيط لأنشطة وبرامج هذه المجالات وفقاً لحاجات ومتطلبات النمو لدى الأعضاء. وتنفذ هذه البرامج عبر أساليب التعليم والتعلم الكشفية المعروفة لدى القادة والمربين الكشفيين مثل : حياة الخلاء (الرحلات الخلوية) ، والتعليم بالممارسة، ونظام الطلائع (التعلم التعاوني) ، ونظام شارات الهواية (تفريد التعليم) ، ونظام المثل والمبادئ ، ونظام البرامج المتدرجة والمثيرة ، وتعويد الفتية والشباب على المشاركة في الأعمال الخيرية والتطوعية. وتختلف طرق تعليم الكشافة حسب مراحلها الكشفية ومراحل نموهم الجسمي والنفسي والانفعالي.
وتشير الدراسات العلمية إلى أن للمناهج والأنشطة الكشفية دوراً كبيراً في تفعيل دور الشباب في مجتمعاتهم وتعويدهم على الصبر والتحمل، واحترام الغير وإرادة الخير للغير، وفعله للمحتاجين. والأنشطة الكشفية كغيرها من الأنشطة الأخرى مكملة للعملية التربوية داخل المدارس والجامعات وخارجها. وهناك الكثير من المعارف والقيم والمهارات المفيدة للفرد ومجتمعة لا يمكن أن تتهيأ البيئة المناسبة لتحقيقها واكتسابها للشباب إلا عن طريق البيئة الكشفية وبرامجها، أيضاً هذه البرامج تغرس وتؤكد المفاهيم والقيم الموجودة في المناهج الدراسية بطرق وأساليب متنوعة ومختلفة عن طرق التدريس الموجودة داخل أروقة المدارس والجامعات والفصول والقاعات الدراسية، ومن هذه الطرق الكشفية التي أثبتت نجاحها وأثرها التربوي في سلوك الكشافة والجوالة الطلاب ((التعليم التعاوني)) عن طريق نظام الطلائع والأرهط داخل الوحدات الكشفية وهذه سمة من سمات التربوية في الحركة الكشفية منذ نشأتها إلى اليوم الحاضر.
وقد أصبح التعليم التعاوني من أكثر الطرق التعليمية نجاحاً في تحقيق الأهداف التربوية في التعليم العام وأصبحت تركز عليه البحوث الأكاديمية في كليات التربية والعلوم الإنسانية في جامعات العالم، وت
وتقيس أثره على التحصيل الدراسي في المواد المتنوعة، وقد سبق النشاط الكشفي التعليم النظامي في تطبيق هذه الطريقة وإثبات نجحها في تعلم واكتساب المهارات والقيم والمعارف المتنوعة. كما أن المناهج والبرامج الكشفية تساعد الطلاب المشاركين فيها على النجاح والتفوق في مواجهة الجمهور وتعويدهم على المهارات الإدارية والقيادة.